منتدى ثانوية بئر مقدم - تبسة - 02/
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة
المنتدي
منتدى ثانوية بئر مقدم - تبسة - 02/
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة
المنتدي
منتدى ثانوية بئر مقدم - تبسة - 02/
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ثانوية بئر مقدم - تبسة - 02/

منتدعى إبداعي تعليمي يهدف الى خلق روح الابداع . يتضمن مجموعة من المواضيع التعليمية للطور الثانوي من إعداد أستاذ التسييـر و الإقتصاد: نويـري عاطـف.لاثراء المنتدى يمكن التواصل على الايميل : atef.soft@yahoo.com أوبرنامج سكايب: azzaim112 أو على الفيس بوك
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-647e75b227[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-534c820e03[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-9742fa59db[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-ec7bea9fa8[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-7c3a7fd8bc[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-aec66abb3d[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-46c4d9ffc6[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-d2cf1932e8[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-dd0d9b8361[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-00cd2d9f05[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-023c803db8[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]
تاريخ تبسة وجهاد امجادها Images-a0e2aabb07[URL="http://uploadpics.a2a.cc"].[/URL][URL="http://www.a2a.cc"].[/URL]

 

 تاريخ تبسة وجهاد امجادها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
atef112
مؤسس ومدير المنتدى
atef112


عدد المساهمات : 295
نقاط : 2952
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
الموقع : https://atefnouiri.7olm.org.htm

بطاقة الشخصية
ابداع وتميز:

تاريخ تبسة وجهاد امجادها Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ تبسة وجهاد امجادها   تاريخ تبسة وجهاد امجادها I_icon_minitimeالجمعة 02 أبريل 2010, 11:01

المطلب الأول: معركة وادي شبرو
بعد أن دخل الجنرال "دي نقريي" مدينة تبسة في الساعة السادسة زوالا يوم 31 ماي 1842، ثم رفع على أسوارها راية بلاده بدل الراية التركية؛ وأعاد تنظيمها إداريا وعسكريا، انقفل بجيشه إلى عين ببوش عبر طريق مسكيانة، ظنا منه أن المنطقة قد آلت إلى حكمه من دون مقاومة، وأن بقية سكانها في البوادي والفيافي لن يعترضوا عليه.
لكن سرعان ما خاب ظنه، وتبخرت أحلامه. فعندما: "غادر الجنرال دي نقريي تبسة، حاملا معه مفتاح المدينة، وسار من جديد عبر طريق مسكيانة؛ معتقدا أنه سيلقى نفس الاستقبال الذي حظي به في تبسة. فلم يأخذ في الحسبان القلاقل، التي أحدثتها بعض الشخصيات المحلية الثائرة، والتي كانت تتحيّن الفرص المناسبة للهجوم عليه.
كان على رأس الفريق المعادي لنا، الشيخ الحسناوي بن بلقاسم، حليف الحاج أحمد آخر بايات قسنطينة آنذاك، والذي كان ينتقل من قبيلة إلى أخرى بحثا عن الأنصار. هوجم الجنرال دي نقريي عند عبوره واد شبرو، من قِبل كوكبة كبيرة من الفرسان".
وقد كتب هذا الجنرال عن معركة وادي شبرو يقول: "بالأمس غادرت تبسة، على الساعة صباحا، قاصدا مسكيانة. يحاذي الدرب الذي سلكته الضفّة اليمنى لوادي شبرو. وبعد أن قطعت مسافة حوالي 28 كلم في ذلك الاتّجاه، أردت قطع الواد، وإقامة معسكري في ضفته اليسرى، فرأيت عن يميني 200 فارس عربي، ينزلون من جبل كراديد (جبل الدير) إلى الأودية الضيّقة المجاورة لبرج باشا عود الكبير.
تقدّم الفرسان نحونا ثم توقّفوا على بعد حوالي 300 أو 400 قدم من عساكرنا. أعلن أولئك الفرسان الذين تعرفت إليهم، أنهم حملوا السلاح فقط للاحتراز، وأضافوا أنهم يجهلون موقفي منهم. وبالرغم من أنني أكّدت لهم ميولي السلمية، إلاّ أنهم بادروا بإطلاق النار.
كانت تلك إشارة لخروج 300 جندي مشاة من الجبال لمساندتهم شرعوا على الفور في إطلاق النار يمينا ويسارا على جناحنا الأيمن.
ساعدتهم الأوحال والحفر التي لا نعرف مدى عمقها من تجنب ضرباتنا... واصلت السير تاركا ثلاث فرق مدفعية من حوالي 200 رجل، في مواجهتهم.
أمرت بالاقتصاد في الذخيرة، معتقدا أنه يكفي استعراض القوة لإبقاء العدوّ بعيدا عنا.
عندما قطع قسم من جيشنا معبر واد شبرو ليتحصن في المكان الذي حددته للمعسكر، فجأة اقترب مني العدو، الذي كان غاضبا من عدم اكتراثي لرشقات رصاصه، بشكل جعلني قادرا على إصابته .
بعد أن استطلعت المكان الذي يمكن أن تهجم منه الخيالة بلا مانع، سحبت في الحال وحدة المناوشين، لكي أزيد بقدر المستطاع من جسارة العدو.
فما أن لاحظ العرب حركة تراجعنا، حتى اندفع فرسانهم،ومشاتهم، أثر جنودنا كما لو أنهم كانوا يريدون منعهم من عبور الواد.
عندما دنوا منا بصورة تأكدت معها أنهم لم يفلتوا منا، هاجمتهم بثلاث فصائل من الفرقة الثالثة قناصة إفريقيا، كنت قد أكمنتهم في مجرى الواد.
دبّت الحيرة خلال فترة وجيزة في وسط فرسان العدو. وتمكن جنودنا القناصة الـ: 75 من إرغام الفرسان المائتين، الذين كانوا أمامهم، على الفرار والرجوع على أعقابهم إلى الجبل بعد أن نفدت ذخيرتهم.
لكن المشاة العرب، لما عجزوا عن الإفلات من خيولنا السريعة، ترقبونا عن كثب، فأجهزنا عليهم من كل الجهات بسيوفنا.
سقط كل الذين كانوا في متناول المناوشين في الفصائل الثلاث، بطعنات سيوف جندنا، جثمت في الميدان 75 جثة، وأسرنا اسيرا واحدا.
من جهتنا قتل منا خمسة جنود، وجرح عشرة آخرون... علمت أن العرب الخمسمائة الذين هاجموني كانوا من فرقة العلاونة... والخيالة كانوا من اللمامشا"
ويمكننا في ظل غياب الرواية الجزائرية أو أي راية أخرى محايدة حول معركة وادي شبرو أن نستنتج ما يلي:
أولا، تبين هذه الرواية بطلان الواقعة، التي ذكرها الملازم "كاستيل" في الجزء الثاني من كتابه عن تبسة، حول العقاب الذي أخذ به الحاج أحمد باي اللمامشة في منطقة بحيرة الارنب سنة 1834؛ وإلا كيف نفسر التفافهم حول خليفته الحسناوي، وتصديهم للقوات الفرنسية في هذه المعركة؟
ثانيا، غلب على رواية الجنرال " دي نقريي" كما عهدنا من جميع الروايات العسكرية الفرنسية سواء التي تناولت وقائع المقاومات الشعبية أم ثورة نوفمبر التحريرية المبالغة في ذكر انتصارات جيش الاحتلال، والمداراة على خسائره.
ثالثا، نستنتج مما ورد في هاته الرواية أن المشاركة في العركة لم تقتصر فقط على الفرق التي ذكرتها، بل تعدتها إلى فرق أولاد سيدي يحيى، إذ تشير إلى مشاركة 200 فارس عربي نزلوا من جبل الدير. ومن المعروف أن هذا الجبل هو موطن تلك القبيلة. بالإضافة إلى أن أولاد سيدي يحيى كما سنبينه لاحقا كانوا قد شاركوا في مقاومة الحاج أحمد باي منذ بدايتها.

المطلب الثاني: معركة الدير الأولى.
قبل احتلال الجزائر، كانت قبيلة أولاد سيدي يحيى بن طالب، القاطنة في الأقاليم الشمالية لمنطقة تبسة، حليفة لبايات قسنطينة، وكانت تخضع لحكم خليفة يعينه الباي من أبنائها، مثل الشيخ الزين بن يونس.
وأثناء الحملة الفرنسية الأولى على قسنطينة في سنة 1836 تحالفت قبيلة أولاد سيدي يحيى مع الشيخ عبد الحفيظ بن محمد، شيخ قبيلة الحراكتة وخليفة الباي الحاج أحمد، في التصدي لزحف الجيوش الفرنسية على المنطقة الجنوبية الشرقية لبايلك الشرق، والحيلولة دون السيطرة عليها.
بعد سقوط قسنطينة في سنة 1837 التجأ الحاج أحمد إلى أولاد سيدي يحيى، وظل بين ظهرانيهم بالدير إلى غاية سنة 1839 حيث قادهم على ٍرأس جيش كبير ضم قبائل أخرى كانت متحالفة معه، وبمعية حليفه الشيخ الحسناوي بن بلقاسم، لمعاقبة بعض فرق الحنانشة بقيادة خليفته السابق الرزقي، الذي نقض عهده، وتحالف مع العدو الفرنسي. فهاجمهم في تيفاش، ولحق بهم في سوق أهراس، حيث هزمهم هناك شر هزيمة.
يتبين من هذه الرواية اعتصام أحمد باي بأولاد سيدي يحيى بالدير، واعتماده على فرسانها في محاربة أعدائه، عن متانة العلاقات التي كانت قائمة بين قبيلة أولاد سيدي يحيى والحاج أحمد باي؛ وعن الثقة الكبيرة التي كان يضعها هذا الأخير في تلك القبيلة، وإلا لما لجأ إليها ولا اعتمد عليها في مواجهة عدوه الفرنسي وأذنابه.
قررت القيادة العسكرية الفرنسية عندئذ، وضع حد لتلك الانتفاضة الكبرى، خاصة بعد أن حققت القوات المنضوية تحت لواء القائد الحسناوي في منطقة سوق أهراس والحدود الشرقية، انتصارا باهرا على عميلها الرزقي. حيث حاصرته من كل الجهات، وهزمته شر هزيمة مما اضطره إلى الفرار إلى مجاز الصفاء، ثم الالتجاء إلى واد الملاح تحت الحماية الفرنسية. كما هزمته مع نصيره الرائد "جامي (jamet)" في الناظور وأجبرتهما على الفرار إلى قالمة، وفرضت عليهما حصارا مشددا كاد أن يهلكا فيه من الجوع لولا أن أنقذهما الماريشال "بيجو (Bugeaud)" في 23 فيفري 1841، حيث: "وجدهم في حال يرثى لها، ومنح للرجال المهلكين من الجوع 1000 كيس من القمح".
ظل الحسناوي والقبائل الموالية له سادة الميدان إلى أن قدم الجنرال "راندون" في 18 ماي 1842 على رأس 1800 جندي، ودخل قالمة بعد معركة عين السوده. وفي سنة 1843، وجهت ضد قوات الحسناوي ثلاث فرق عسكرية كبرى، واحدة من قسنطينة، وثانية من عنابة، وثالثة من قالمة.
وبعد أن سيطرت تلك الفرق على بلاد الحنانشة واحتلت مركز سوق أهراس، وطردت المقاومين من تلك الجهة، توجه الجنرال "براجي ديليي (Baraguey-d'Hilliers)" في شهر جوان 1843، على رأس فرقة عسكرية من قسنطينة للانتقام من قبيلة أولاد سيدي يحيى.
إذ شن عليهما هجوما كاسحا، و: "زحف إلى غاية الدير، بإقليم الدائرة، أين هاجم عبد الحفيظ بن محمد، شيخ قبيلة الحراكتة، واستغل إقامته في تلك الجهة ليحصل ضرائب أولاد سيدي يحيى بن طالب"، وذلك لتغطية نفقات الحملة العسكرية من جهة، وإثبات السيادة الفرنسية على تلك الجهة. وعلى الرغم من قدم تحالف أولاد سيدي يحيى بن طالب مع الحاج أحمد باي، وانخراطهم المبكر في مقاومته ضد الاحتلال الفرنسي، وأهمية معركة الدير بدليل قدوم الجنرال الجديد بنفسه إلى المنطقة وإشرافه على قيادة العمليات، إلا أننا لم نجد فيما توفر لدينا من مراجع، سوى هذه الإشارات المقتضبة عن تلك المعركة.

المطلب الثالث: معركة عين زوارة
انشغلت قوات الاحتلال في سنة 1846، بإخماد نار المقاومة التي أشعلها الأمير عبد القادر، في وسط وغرب وجنوب الجزائر بعد عودته من المغرب. وسعت بكل جهد لعرقلة تحقيق دعوته للقبائل التي زارها في تلك المقاطعات ومطالبتها بـ: "هجرة الأرض التي دنسها وجود الكفار، وتقوية صفوف الأمة الجديدة التي أنشأها في المغرب الأقصى".
وانشغلت في مقاطعات الشرق الجزائري، بمواجهة جيوب المقاومة في جبال شمال سطيف، وفي منطقة الحدود الشرقية، ومنها منطقة تبسة التي وقعت فيها معركة عين زوارة على ضفاف وادي الركل.
ففي يوم 29 ماي 1846، زحف الجنرال "راندون" على تبسة بقوات جرارة، جاب بها الشريط الحدودي المضطرب، وحارب بها القبائل الثائرة هناك،وأرهب بها القبائل الجزائرية غير الخاضعة. وفي الفاتح من جوان، قرر أن يخلي عددا من الجرحى إلى مركز قالمة العسكري، فجهز قافلة وضمهم إليها، ثم كلف قايد أولاد سيدي يحيى باصطحابها وحراستها إلى أن تخرج من إقليمه، فيتسلمها قايد الإقليم الموالي، وهكذا إلى أن تبلغ وجهتها.
لكن، حسب الملازم "كاستيل": خدعته تأكيدات قايد أولاد سيدي يحيى بن طالب، حول رغبة هذه القبيلة في الخضوع. فاعتقد أن بإمكانه إرسال قافلة صغيرة من الجرحى إلى عنابة، عبر جبال الدير، تحت حماية خمسة فرسان من الكتيبة الثالثة صبايحية، بقيادة الملازم أمراوي. ضم إلى تلك القافلة بعض المرضى، وبعض الجنود العائدين إلى فرنسا –بعد أن أتموا مدة الخدمة العسكرية- بلغ عددهم في المجموع 100 نفر".
وقعت المعركة في الفاتح جوان، في منطقة وادي الركل، الواقعة في شمال جبل الدير، بالمنطقة المعروفة باسم: عين زوارة. حيث نصبت فرقة الورفلة كمينا في ذلك المكان، وهاجمت القافلة لما بلغته، وقضت على جميع أفرادها. ونرجح أن تكون المكيدة قد تمت بتدبير من قايد أولاد سيدي يحيى بن طالب، سي محمد الطاهر بن بلقاسم.
اختلفت الروايات الفرنسية القليلة التي تحدثت عن تلك الواقعة، وأمكننا قراءتها، في تحديد عدد أفراد القافلة، وعدد مهاجميها من الجزائريين.
فقد ذكر أحد الضباط الفرنساويين، أن الآلاف من الفرسان والمشاة من فرقة الورفله من قبيلة أولاد سيدي يحيى، شنوا في ذلك اليوم هجوما مباغتا بقيادة شيخ مرابط، على تلك القافلة. فأبادوا جميع أفرادها، ولم ينج منهم سوى جندي صبايحي واحد، تمكن بأعجوبة من الإفلات من قبضة المجاهدين، وبلوغ مركز قيادته بتبسة في اليوم الموالي. وذكر قائد المستشفى العسكري بسوق أهراس: الطبيب "روكيت (Rouquette)"، أن: "في الفاتح جوان، تعرضت قافلة بها 20 مريضا، كانت متجهة إلى قالمة تحت حراسة قايد أولاد سيدي يحيى، لهجوم من قبل بضعة مئات من الفرسان، فذبح جنودنا المساكين".
وجاء في رواية "راندون" أن: "جنديا صبايحيا واحدا نجا من المجزرة ومن الملاحقة الضارية. حيث رمى خلفه برنسه، وعمامته، وسرواله، واختفى في الأحراش رغم كثرة جروحه؛ وفي الصباح الباكر ارتمى رجل عريان في أحضان حرس اللفيف الأجنبي. كان ملطخا بالدماء، ويتلفظ بكلمات مبهمة،... اقتيد إلى خيمة الجنرال، وتم التعرف إليه بأنه أحد صبايحية القافلة التي توجهت بالأمس نحو عنابة".
ويقول "كاستيل" عن الكيفية التي هاجم بها الجزائريون تلك القافلة العسكرية: "كانت القافلة قد هوجمت على حين غرة، لحظات بعد بلوغها مرتفعات واد الركل بإقليم الدائرة، وأبيدت على يد أناس من فرقة الورفلة، من قبيلة أولاد سيدي يحيى بن طالب. فالشيخ علي بن بوحيطة وحده قتل طبيبا، ونقيبا، وضابط صبايحية من الأهالي، بالإضافة إلى أربعة جنود فرنسيين، قاوم الملازم أمراوي المهاجمين مقاومة ميؤوسة، وتمكن بمساعدة رجال معافين، في حوالي ثلاثة مواقع، من صد كل الهجمات. لكنه سقط في يد العرب بعد أن قتل جواده، وبقي معه سوى صبايحي واحد".
ونرجح أن يكون قايد أولاد سيدي يحيى، سي محمد الطاهر بن بلقاسم، قد اتفق مع فرقة الورفلة على أن تهاجم هي القافلة، وتنتقم من عدوهم المشترك ومما فعله بهم عندما هاجمهم في الدير. بينما يتظاهر هو بالبراءة أمام السلطة العسكرية فقد: "أسرع قايد أولاد سيدي يحيى بن طالب إلى الارتماء أمام الجنرال، وبصوت باك ظل يردد أن قومه غدروا به، وأنه يرفض أن يكون شريكا في مثل هذا العدوان، ومستعدا أن تضرب عنقه، ويفتدي بدمه".

المطلب الرابع: معركة الدير الثانية.
وقعت هاته المعركة في يوم 2 جوان 1846، في هضبة الدير، عندما قرر الجنرال "راندون" توجيه حملة تأديبية ضد فرق أولاد سيدي يحيى المقيمة في تلك الهضبة، انتقاما لجنده الذين قتلوا في موقعة وادي الركل على يد فرقة الورفلة كما مر معنا فقد: "توجه الجنرال راندون إلى جبل الدير، لمعاقبة القبيلة المذنبة، حيث احتمى أولاد سيدي يحيى بن طالب مع قطعانهم الكبيرة معتقدين أنهم في حصن حصين... توقف الجيش عند سفح رأس السطح، لأن مجموعات مسلحة عديدة كانت أمامه، واتخذت فيه المدفعية موقعا لها".
وبحسب شهادة الجنرال "راندون"، التي أوردها "كاستيل"، فإن: "أول من بدأ التسلق [أي تسلق مرتفعات جبل الدير] كان جند الصبايحية، ثم تلتهم فرقة اللفيف الأجنبي. كان يستوجب على فرقة الخيالة، بذل مجهود، أو بالأحرى مهارة للوصول إلى هناك ومع ذلك صعدت في وسط وابل من الرصاص، متبوعة بفرق المشاة، وفي لحظة أبيد جبل أولاد سيدي يحيى بن طالب".
ويتبين من رواية "كاستيل" عن مجريات المعركة، الشجاعة التي أبداها المجاهدون التبسيون في الدير، والتضحيات الجسام التي قدموها في سبيل الله والوطن، ونعتقد أن الأحداث لم تتم بتلك السهولة التي ذكرها الجنرال.
فبعد أن صعدت قوات العدو مرتفعات رأس السطح بصعوبة شاقة وتكبدت خسائر في الأرواح، شن عليها أولاد سيدي يحيى هجمات شرسة، ففي الحال: "بدأ هجوم شرس خسر فيه العدو 200 قتيل، وتعرض لغزو كاسح. وفي الغد، هاجم أولاد سيدي يحيى بن طالب المعسكر الذي بقي في رأس السطح. فردوا على أعقابهم وسقط منهم 100 رجل آخر".
وتذكر رواية أخرى أن القوات الفرنسية: "عاقبت الثوار عقوبة مثالية حيث شنت عليهم مدفعيتنا هجومين، وخسر العدو 300 رجل... وفرضت عليهم غرامة مالية بقيمة 30 ألف فرنك، تم تحصيلها في ظرف ثلاثة أيام، وقدم إلى العدالة خمسة من أنصار الحسناوي، المحرضين على تلك المكيدة"
بينما حدد أحد ضباط جيش الاحتلال خسائر المجاهدين في تلك المعركة بأقل من ذلك، حيث قال: "هاجم فرساننا أولئك المتعصبين ففرقوا جمعهم، وقتلوا منهم أكثر من 100 رجل".
انتقم العدو الفرنسي من المقاومين التبسيين في الدير شر انتقام. إذ: "... أجبر أولاد سيدي يحيى بن طالب، على دفع غرامة مالية بقيمة 30 ألف فرنك، خلال ثلاثة أيام، وسجن القايد سي محمد الطاهر بن بلقاسم بعيدا عن وطنه، بعد أن حمّل المسؤولية، وعرض على القضاء خمسة أشخاص بتهمة التحريض على القتل الجبان لمرضانا. أما فرقة الورفلة التي ارتكبت الجريمة، كانت الوحيدة التي فرت بجميع خيامها الثمانين. فاستهلكنا محاصيلها الزراعية، وصادرنا مدخراتها من الحبوب.
وبعد سنتين ناشدت تلك الفرقة السماح لها بالعودة إلى إقليمنا. فسُمح لها بشرط ألاّ تعود إلى أراضيها القديمة، وأن تتخذ حلوفة (بجبل قريقر) موطنا لها، حيث تكون في قبضة السلطة. بينما وزعت حصص الأراضي التي كانوا يملكونها على فرقة القبيلة التي حلوا محلها في حلوفة. وبذلك دخلت قبيلة أولاد سيدي يحيى بن طالب، بعد هذا الدرس القاسي في خضوع تام لنا".
وما يمكننا استخلاصه من تلك الروايات المختلفة:
أولا: أن الجنرال "راندون" جيش جيشا كبيرا لهذه المعركة، أقحم فيه جند الصبايحية الذين هم من الأهالي الجزائريين، وفرقة اللفيف الأجنبي، ولأول مرة في حدود اطلاعنا، يصرح فيها بوجود فرقة لفيف أجنبي في الجزائر، تقاتل في صفوف جيش الاحتلال الفرنسي،وتساهم في بسط السيطرة الفرنسية على البلاد.
ثانيا: شهدت مختلف الروايات الفرنسية المذكورة على شراسة مقاومة سكان الدير من أولاد سيدي يحيى، حيث تصدوا للهجوم الفرنسي ببسالة، وواجهوه بـ: "وابل من الرصاص"، وقدموا العديد من الشهداء.
ثالثا: امتنع قائد الحملة الفرنسية عن ذكر عدد قتلاه في المعركة التي وصفها بالشرسة؛ ومع ذلك نرجح أن يكون عددهم كبيرا، نظرا للطريقة التي هاجموا بها. فكما مر معنا أرادت القوات الفرنسية تسلق هضبة الدير الشامخة، وبلوغ مرتفعاتها الشاهقة، حيث تتمركز القوات الجزائرية، مما يجعلها في مركز ضعف، وفي مرمى نيران الجزائريين.
رابعا: عاقب جيش الاحتلال أهالي الدير بعد أن تمكن منهم، بالمغرم، ومصادرة الممتلكات، والتغريب عن الديار، وهي العقوبة التي سرت على كل من قاومهم من القبائل الجزائرية.

المطلب الخامس : معركة الماء الأبيض
وقعت هذه المعركة في خريف سنة 1846، في الجهة الشرقية لسهل بحيرة لرنب، بمنطقة الماء الأبيض، في شرق تبسة، على رأس قوة عسكرية ضخمة، و:" زحف للسيطرة على اللمامشا، في استعراض للقوة، بفرقة الوحدة 31، واللفيف الأجنبي، والفرقة الخامسة خيالة، وجند الصبايحية، كوسيلة أكيدة تقوي الأصدقاء، وترهب الأعداء"
غير أنه رأى بأن تلك القوات لن تكفي في تحقيق مهمته، والاضطلاع بها على أحسن ما يرام. فطلب: "من الجنرال بيدو ( Bedeau)، الذي أعيد تعينه على رأس القيادة العليا لمقاطعة قسنطينة، تعزيزات، فمده بالوحدة الثانية، وبفضائل القناصة والصبايحية مع المدفعية "
وعندما تأكد من التفوق العسكري، قاد هجوما على سكان الماء الأبيض، واشتبك مع ثوراها.وتذكر الرواية العسكرية الفرنسية، أن الفرق التبسية التي شاركت في تلك المعركة، كانت اللمامشا. حيث: "شارك فيها على الأخص العلاونة، والبرارشة، المقيمين بالقرب من الماء الأبيض وفي شرقي بحيرة لرنب"
ونظيف أيضا أن تلك الفرق كانت تحارب إمرة شريف من تونس يدعى مولاي أحمد، كان قد حل بينهم في شهر أبريل 1846، فنظّم صفوفهم، وقادهم إلى مقارعة عدوهم الفرنسي، ونرجح أن يكون هذا الشريف جزائري من أبناء بني الفرق المهاجرة في تونس، على اعتبار أن اللمامشا كانوا إذا ما أشتد عليهم الضغط الاستعماري، يلجؤون إلى البلاد التونسية.
ومما جاء في مذكرات المارشال "راندون" عن سير تلك المعركة، قوله: "وعلى الرغم من أن الثوار فروا من أمامه إلا أنه التقى بهم. فكان منظر تلاحم الجيشين رائعا، فبالكاد حاول جنودنا إطلاق النار خوفا من قتل فرساننا المتلاحمين بخصوصهم. لقد كان مشهدا غريبا لجنود الوحدة الثانية؛ التي انشغلت بعد الضربات. فقد قتل "جيرار" قاتل الأسود، ومسؤول المساكن آنذاك، بالتعاون مع صبايحية عنابة، عدة فرسان تونسيين ... واستمرت المعركة في شكل مطاردة شرسة على امتداد حوالي 28 كلم، وانتهت بعد أن حل الظلام، وتعب المقاتلون. ولم يتوقف الفرسان إلا بعد أن أدركوا أنهم يتواجدون منذ مدّة في الأرض التونسية"
وما يمكننا استنتاجه مما سبق:
أولا، اتبع مجاهدو المنطقة، في صد قوات العدو، التي كانت تفوقهم في العدة والعتاد، أسلوب الكر والفر، وذلك لاختلاف طبيعة الجيشين، فالجيش الفرنسي كان أكثر تنظيم وتمرس على الحروب، بينما الجيش الجزائري يتألف من فلاحين لا يحسنون إلا ركوب الخيل، ولا يملكون سوى الشجاعة، زد على ذلك أنهم كانوا مثقلين بعوائلهم ومواشيهم التي كانت تصطحبهم، وهذا الأمر سرى على أغلب ثورتنا الشعبية في القرن التاسع عشر.
ثانيا، فشل جيش العدو في النيل من المجاهدين اللمامشا، وفي تحقيق هدفه القاضي بإجبارهم على الخضوع، رغم الضربات الموجعة التي ألحقها بهم .
ثالثا، تبين هذه المعركة، أن الأهالي كانوا يدركون حق الإدراك العمق الاستراتيجي لتونس أثناء تعرضهم لمثل تلك المحن، وأنّ الشعبين المسلمين الجزائري، والتونسي، كثيرا ما تعاهدا على مقارعة العدو المشترك، فالدين الإسلامي الحنيف الذي يجمع بينهم ينص على نصرة المسلم لأخيه المسلم.
رابعا، نرجح أن يكون الدافع من وراء حدوث هذه المعركة هو تخوف القيادة العسكرية الفرنسية من استفحال أمر الجهاد في منطقة الحدود الشرقية، التي كانت تشهد اضطرابات بفعل تمرد بعض فرق قبائل تبسة، وسوق أهراس، وتونس، فتبنت تلك القيادة سياسة عرض قوتها، والتنكيل بأهل الماء الأبيض حتى تخاف منها بقية الفرق، وتتراجع عن الاستمرار المقاومة، تلك السياسة التي برع فيها "جنرالات الجيش الإفريقي" وصارت ديدنهم أثناء حملاتهم على الجزائريين.
خامسا، اعتاد التأريخ العسكري الفرنسي للمقاومة.تلك الشعبية الجزائرية، على التقليل من شأن مقاومة الجزائريين، وازدراء قادتهم، والمبالغة في ذكر شجاعة جند الاحتلال وعبقرية قادته"!؛ وإلا بأي شيء تفسر توجيه حملة عسكرية بقيادة جنرالين ضد من كانوا يعدون في نظر جيش الاحتلال من المغامرين "؟

المطلب السادس : معركة الجرف .
في سنة 1847، قرر قائد مقاطعة قسنطينة، الجنرال "بيدو"، شن هجوم كاسح على اللمامشا، لإجبارهم على الدخول في إذعان حقيقي، والانتقام من فرقة أولاد رشاش التي هاجمت، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 1846، أعوان الإدارة الاستعمارية في خنقه سيدي ناجي، التي كانت تعد معبرا أساسيا إلى المعسكر الفرنسي في بسكرة. في تلك الفترة، قررت: "حامية بسكرة" بقيادة النقيب دي سان جرمان (De Saint-Germain)، شن هجومين شرسين عليهم، فقدوا على إثرها 100 خيمة، و250الف رأس من الغنم"
كما قررت السلطة الاستعمارية توجيه قوات جرارة، لمعاقبة اللمامشا على إيوائهم الشيخ الحسناوي بن بلقاسم، الذي كان مطاردا منها، ومن كاهية الكاف، وكاهية باجة، بعد تزعمه انتفاضة أولاد خيار، والتفاهم حوله، وسيرهم معه فير مواجهة جديدة ضد عدوهم الفرنسي المشترك.
ففي شهر مارس 1847، طوقت ثلاث سرايا عسكرية اللمامشا من كل الجهات، وشنت عليهم ثلاث هجمات كاسحة. وبحسب رواية "كاستيل": " قاد الهجوم الأول العقيد صوني (Sonnet) حيث غادرت سريته بسكرة، واتبعت سفوح الجبال المحاذية للصحراء ولقطع الطريق على المتمردين؛ وقاد الهجوم الثاني الجنرال "هربيون (Herbillon)"، الذي انطلقت سريته الثالثة فقادها العقيد "سنيلهي ( Senlhes)" من عنابة، ثم اتجه بها إلى تبسة، ومنها إلى الحدود التونسية.
مرت السرية الثالثة بكل من عوينة الذياب [بلدية العوينات الحالية]، وطريشة، ورفانة، وعين زقيق، والدكان، وعين جدور، وواد مهيون، وبئر العاتر، وعين فوريس، ثم عادت من الدرمون مرورا بفم متلاق، وبعين رقادة، وعين شيرو- توجهت سريتان جنوبا إلى بودكان، ونقرين، وتقدمت سرية "هربيون" إلى غاية الجرف"
ومما جاء عن سير تلك المعركة، في "العرض الكرونولوجي لكتيبة قناصة إفريقيا الثالثة، أن: "في 30 مارس 1847، سار العقيد "دي مرباك"، بمعية السرية القادمة من باتنة نحو خنشلة، من جهة المنحدر الشمالي للأوراس، فوصل إلى قرية سيدي عبيد. كان يتوقع حدوث مقاومة لكن القرية كانت مهجورة فمعسكر المشاة على بعد خمسة كلم منها.
عاد في الفاتح أبريل رجال الزاوية إلى قريتهم، وتقدموا إلى المعسكر حيث اعتقلوا، ولما وصلنا في اليوم الثالث إلى واد هلايل، بلغتنا أنباء مفادها أن اللمامشا كانوا قد اجتمعوا في رأس العش... أرسلنا تشكيلات استطلاع حول واد هلايل، وسيدي عقرب، وواد حلاق، وقرية سيدي عبيد، وفي اليوم 17 جاءنا رجال الزاوية يعلنون خضوعهم.
كانت إحدى تشكيلات الاستطلاع قد زارت الجرف، تلك القرية العجيبة، التي نحتت في صخرة كلسية شبيهة بفطر عملاق... وأثناء حملة الاستكشاف في الجرف، تعرضنا لطلقات نارية أصابت جوادين.
بعد ذلك توجهت السرية إلى خنشلة... أما النساء، والأطفال، والعجزة، فانقسموا إلى مجموعات ولجؤوا إلى تونس، حيث يتوفر الماء بكفاية لمواشيهم"
لجا الجيش الفرنسي، بعد فشل سراياه في تعقب الثوار، والعثور عليهم، إلى وسائل أخرى لإرعاب السكان، فقد أقام محميات عسكرية في مختلف جهات المنطقة الثائرة، لإجبار سكانها على الخضوع إذا ما أرادوا العودة إلى أوطانهم؛ وأتلف محاصيلهم كي يدمر اقتصادهم، ويعرضهم للجوع، ويضعف من معنوياتهم، يقول "كاستيل" "لقد أدت الحرارة المرتفعة، والمياه النادرة إلى جعل الصحراء غير صالحة للحياة، وبالتالي كان خضوع اللمامشا متوقعا.
فمن قبل، شغلتهم كثرة جولات، وطلائع جيشنا، التي جابت مناطقهم، وتعبوا من رؤية فرساننا وقومنا يلتفون حول محاصيلهم".
وفي نهاية شهر أوت سحبت قيادة جيش الاحتلال تلك القوات الجرارة من موقعها في جنوب تبسة، لتستعين بها في حملتها على ثورة الشريف بوعود، ومولاي إبراهيم، وأحمد الطيب بن سالم في منطقة القبائل.
بينما أبقت سرية العقيد "سنلهي" في عين شبرو، لما تأكدت من أن الوضع الأمن في تبسة بات مستقرا، بعد سجنها الحسناوي بن بلقاسم مع زمالته في طبيقة بسهل عنابة.
كان من نتائج تثبيت سرية عين شبرو، وعلى مرمى حجر من مدينة تبسة، أن ضعفت شوكة مقاومة اللمامشا، الذين اضطروا إلى دفع ضريبة الحرب، والقبول بالتقسيم الإداري الذي فرضه عليهم العقيد "سنلهي" من دون أن يخضعوا له بشكل نهائي.
فقد جاء في يومية مسيرة سريّة الجنرال "هربيون" ، أن اللمامشا: "قلقوا من بقاء سرية قرب تبسة، التي تعد أحد المناطق الرئيسية لإقليمهم، لذا لم يتأخر العلاونة، والبرارشه عن إعلان إذعانهم للعقيد، قائد تلك السّرية، من جهتهم، توجه أولاد رشاش إلى باتنة لأداء المهمة نفسها، وبذلك فرضت على مختلف تلك الفرق ضريبة الحرب".
يضيف " كاستيل": "لم تغادر السّرية المنطقة، إلا بعد أن حصّلت ضريبة الحرب، وقسم اللمامشا إلى قايديتين: قايدية خاصة باللمامشا غرابة، وضمت أولاد رشاش، ووضعت تحت تصرف القايد أحمد بن الحاج، وألحقت بدائرة بسكرة، مقاطعة باتنة، وقايدية خاصة باللمامشا شراقة، ضمت العلاونة، البرارشه، وألحقت بمقاطعة عنابة، لم تكن هاته المصلحة المنقوصة تقدم أيه ضمانات للاستقرار".
وفي الأخير يمكننا القول أن اللمامشا لم يذعنوا بشكل حقيقي ودائم، بدليل أن زعماء أولاد رشاش لم يستسلموا إلا بعد أن احتجز الغازي الفرنسي رهائنهم في بسكرة، وأنّ فرقتهم ما أن علمت بتحرك سريّة العقيد، "سينلهي" من عين شبرو باتجاه عنابة، حتى هاجت سكان خنقة سيدي ناجي، لنتتقم من اعوان عدوها، وتعيد جزء من ثروتها الحيوانية التي صودرت منها، فاسترجعت ألف رأس من الغنم. كما أن المقاومات الشعبية كانت دوما تحدث بتدبير من شريف أومرابط.مثلما هو الحال هنا في معركة الجرف حيث تتحدث الروايات الفرنسية عن ثورة شريف يدعى بلقاسم، حلّ بين أولاد رشاش ودفعهم إلى الانتفاضة.
ويبدو من حيثيات المعركة كما روتها المصادر الفرنسية، التي سكتت عن ذكر عدد القتلى أو الجرحى عند الطرفين، وأن اللمامشا قد آثروا تأمين أهاليهم ومواشيهم بنقلهم إلى تونس على مقارعة تلك القوات الجرارة وتمكينها منهم، وفيا لسياسة الانتقام من المناطق الثائرة، والتي كانت ترتكز على ثلاث وسائل رئيسية : الأرض المحروقة، والإكراه على الإذعان، والاثقال بالمغرم والضرائب.


المطلب السابع : معركة أوكس
في ربيع سنة 1850 قرر العسكري الجديد لمقاطعة قسنطينة، الجنرال "دي سانت آرنو"، توجيه حلمة عسكرية كبيرة ضد منطقة الأوراس، والمناطق الصحراوية الواقعة جنوبه، بعد موافقة باريس.
فآثر البدء بحملة تأديبية ضد اللمامشا، لأنهم بحسب الرواية الفرنسية عادوا: "مجداد خلال سنة 1849، لأعمال السلب والنهب" وقرر ألا يتوجه إلى الأوراس إلا: "في 20 ماي، بعد ذوبان الثلوج، وحتى أصل إليه بمعنويات عالية بعد أن أعاقب اللمامشا وأحصل على خضوعهم".
لقد برع "سانت آرنو" منذ كان ملازما على رأس الفرقة الأجنبية، في استعمال سياسة "الأرض الحروقة" التي تعلمها من أستاذه المارشال "بيجو".
لقد ذكر في رسالة وجهها إلى أخيه في باريس في 2 ماي 1850، أن الأمور تسير على ما يرام ، فاللمامشا امتلكهم الخوف وصاروا يتحدثون عن الإذعان، وأعتقد أنني سوف أطلق رصاصة واحدة".
غير أنه فند ادعاءه في رسالة أخرى بعث بها إلى زوجته في يوم 7 من الشهر نفسه، حيث قال: "لا أدري بعد، إذا ما كان اللمامشا يريدون في المستقبل الحرب أو السلم. فهم لم يأتوا جميعا إلى معسكري، وأظن أنني سأضطر إلى التحرك ضدهم".
هذه شهادة جازمة بفشل سياسته الاستعراضية في تخويف اللمامشا، حيث بدلا أن يخضعوا له كما كان يتصور، أعلنوا عليه الحرب.
تحرك الجنرال في يوم السابع من ماي من معسكره بخنشلة، واتجه على رأس قوة جرارة صوب معقل المجاهدين اللمامشا في عين غيبار، فحل بمنطقة الزوي، وقرّر: "الهجوم ليلا على عين غيبار، حيث يتواجد المتمردون مع زعيمهم".
ومع أننا لا نملك المعلومات الكافية عن الأسباب والدوافع الحقيقة والكامنة وراء تلك المقاومة، أو مجريات المعركة التي دارت بين الطرفين، إلا أنه يمكن أن نستنتج من المدة التي قدّرها قائد جيش الغزاة بأربعة أيام للقضاء على تمرد اللمامشا" أن عدد الثوار التبسيين كان كبيرا.
فقد جاء في رسالته المؤرخة في 8 ماي 1850: "كل شيء سينتهي في يوم 10، سأظل في المنطقة بضع أيام، لأحصل على الضرائب وأنظم الحكم، ثم سأزحف على تبسة التي سأصلها في اليوم السادس عشر، وفي يوم 20 أو 22 سأعود إلى خنشلة، هنالك سيلعب الفصل الأول من مسرحيتي الدرامية، أما الفصل الثاني فسيكون للأوراس؛ والثالث باتنة، والرابع سطيف، وقسنطينة".
غير أن ليس ما يتمناه المرء يدركه، تأسف في رسالة أخرى لعدم تمكنه من بلوغ تبسة قبل 18 ماي، واضطره إلى البقاء في مخيمه بالزوي أربعة أيام إضافية. ونرجح أن يكون السبب في التأخر، هو شدة المقاومة التي واجهته من الثوار اللمامشا في تلك المناطق الوعرة.
فقد ذكر في رسالة إلى زوجته، أن قواته اشتبكت في اليوم التاسع من شهر ماي، مع مجاهدين من اللمامشا في منطقة خنشلة، وتعرضت لهجمات كثيرة ومباغتة، دون أن يقدم تفاصيل إضافية عن ذلك الاشتباك.
وفي ليلة اليوم العاشر، خطط للهجوم على معقل المجاهدين، وأخذهم على حين غرة، لكنه تراجع في آخر لحظة لما علم أنهم قد أخلوا مواقعهم، فقرر في اليوم الموالي إرسال قوة صغيرة بقيادة العقيد "ميرباك (Mirbeck)" والعقيد "إسبيناس(Espenasse)"، إلى الفرق الخاضعة لتحصيل الضرائب، وتعجيل الأمور.
يذكر "كاستيل" أن الجنرال وجه في منتصف ليلة الثاني عشر، فرقة عسكرية بقيادة العقيد إينار( Eynar) : "فعسكر الجيش بفم قنتيس وسار إلى تبسة عبر الشريعة، من دون أن يلقى أية مقاومة فحاول العلاونة، والبرارشه اعتراض طريقه في فجاج اوكس، عند مخرج تلك القرية، لكن مقاومتهم لم تستمر طويلا، وانتزعنا منهم 1000 خروف، و400 جمل".
أما "دي سانت آرنو" فيروي بأنه كلف العقيد "ميرباك" بتلك الحملة. فقد جاء على لسانه: "بالأمس عاد "ميرباك" مع الفرقة التي وليته عليها، وحمل إلي 45 سجينا كرهائن، وأخذهم من بين زعماء أولاد رشاش، ومن عليه قومهم. سوف أستعمل هذا أحسن وجه ممكن".
ثار اللمامشا لأنفسهم من تلك الحلمة التي تعرضو فيها للسلب والنهب على يد عساكر الجنرال، بالهجوم على زمالة الحسناوي بن بلقاسم، الذي صار في تلك الأثناء عونا من أعوان الإدارة الاستعمارية، إذ عينه الجنرال "سانت آرنو" قايدا عليهم، واستعان به في شن حملته.
وصفت إحدى المجلات الفرنسية تلك الأحداث بالقول: "وقع في شرق مقاطعة قسنطينة حدث مؤسف على الحدود، فقد تعرض القائد الحسناوي الذي كان يقيم بزمالة كبيرة في إقليم الفرقة اللموشية، التي رفضت الإذعان ليلة الفاتح إلى الثاني من سبتمبر، من طرف عصابات كثيرة.
استطاع أن يصد هجومها بقوة، ويقتل ويجرح العديد من رجالها، لكن في اليوم الموالي، رغم مقاومته الباسلة اضطر أمام التحاق إمدادات معتبرة بالمتمردين إلى الانسحاب، هلك في المعركة شابان مفعمان بالحياة، هما ابنه وابن أخيه، وخسر هو كل ما كان قد جلبه إلى ذلك المعسكر، صدر الأمر إلى علي قايد الحراكته، بالسير على جناح السرعة بمعية 500 فارس لنجدة الحسناوي، وعند الحاجة يتوجه القايد العربي بوضياف إلى مركز القيادة بعين خنشلة، لدعمهم"
ويذكر "فيرو" أن: "في الحال أرسلت إلى تبسة، عبر وادي شبرو، فرقة قوم نظامية مؤلفة من 300 فارس مغوار، وضعت تحت إمرة هذا القايد (الحسناوي)، وتقدم بها ضد اللمامشا، فقتل منهم عند اشتباكه بهم في طريق الكريطة، أحد عشر نفرا، ثم أقام مخيمه بعين رقاده، على المرتفعات القريبة من تبسة، غير أنه اضطر، على إثر سماعه بعض الطلقات النارية بالليل، إلى تغيير مكانه والاقامة بعين شبرو، وبعد بضعة أيام من إقامة تلك الفرقة بذلك المكان الجديد، أعلن عن قدوم حوالي 1000 فارس و 2000 راجل من اللمامشا إلى المنطقة. قام كل من الحسناوي، وسي مصطفى الملازم الأول في فرقة الصبايحية، وقائد القوم بمعية بعض الرجال، بإجراء استطلاع، ومعاينة الموقع الذي كان العدو ينوي احتلاله، عندئذ فر القوم المساعدون في كل الاتجاهات، دون ان يطلقوا عيارا ناريا واحدا، في البداية فر السقنية ثم تبعهم الحراكتة، وتركوا الحسناوي بن بلقاسم، وقايدهم مصطفى، بكل نذالة تحت رحمة اللمامشا.
لم يكن لتلك الخيانة، التي تسببت فيها طرائد القساة بزعامة المدعو حسان بن عمار من اللمامشا، الأثر الذي كان ينتظره أصحابها . حاول الحسناوي بن بلقاسم مع بضعة فرسان مقاومة المد البشري الذي اندفع نحوه، لكنه تراجع بسرعة، لما غلبه العدد، وتمكن من الهروب، أما القايد مصطفى، فلم يسعفه الحظ ، حيث وقع من على جواده في طية أرضية ، وألقي عليه القبض.
وذبح من طرف اللمامشا بعد هذا النصر طلب اللمامشا من أهل الدير أما أن يطردوا الحسناوي "الذي فر إليهم" أو أن يقتلوه.
ويسرد الجنرال "سانت أرنو" ناتئج حملته على الفرق اللموشية الثائرة بأسلوب التباهي والتضخيم، قائلا: "قتلت منهم شيخا و20 فارسا مغوارا، وسلبتهم 1500 رأس غنم، و400 جمل، ودفّعتهم ضرائب سنة 1845، 1850، أي حوالي 75 ألف فرنك، بالإضافة إلى تكاليف الحرب، وتكاليف بناء حصن خنشلة، أتمنى أن تكون الجزائر (أي الحكومة العامة) وباريس راضيتين".
كما تباهى في رسالة بعثها إلى أمه من بسكرة في صيف 1850، بأعماله الإجرامية التي اقترفها في حق أهالي تبسة، والأوراس، وبسكرة ، حيث قال: "لقد نجحت في كل مكان – هزمت اللمامشا الذين لم يدفعوا فلسا واحدا من قبل، فسددوا لي 150 الف فرنك؛ لقنت (سكان المنطقة) بعض الدروس القاسية، وأرعبت البلاد ... عرفت في كل مكان بقوتنا وسلطتنا، و سأنهي بكل سرور حملتي، و غيابي الذي طال".
بعد ذلك استولى على مدينة تبسة بصفة رسمية، تنفيذا لقرار وزير الحربية الفرنسي، واستخدم لأجل ذلك <حامية تتألف من 300جندي، و30 جواد>.
إلا أن الاستخدام المكثف للقوة العسكرية، وأعمال التقتيل الجماعي، والنهب والسلب، التي مارسها جيش الاحتلال ضد اللمامشا لإجبارهم على الإذعان، والدخول في طاعة فرنسا، لم يحقق الأهداف المرجوة منها، وأدى إلى عكس ما كان متوقعا. فقد زادهم ذلك إصرارا إلى إصرارهم، وقوة إلى قوتهم، وأكد لهم أن لا سبيل لهم إلا المقاومة ودحر المحتل.
وقد شهد "كاستيل" على ذلك حين قال أن: "خلاصة القول، كان يخضع لنا أثناء تشكيل الدائرة في سنة 1851، كل من سكان مدينة تبسة، وأولاد سيدي يحي بن طالب، والبرارشة باستثناء أولاد خليفة، والعلاونة باستثناء أولاد العيساوي.
بينما كان في حالة عصيان كل من أولاد سيدي عبيد، و أولاد رشاش باستثناء أولاد زيد، وسكان واحات نقرين وفركان"

المطلب الثامن : معركة بكاريا
دارت هذه المعركة في خريف سنة 1853، بين فرقة أولاد سيدي عبيد المقيمة في بكاريا، تآزرهم فرق أخرى قدمت من تونس من جهة، والجيش الفرنسي ممثلا في قوات النقيب "ألجرو (Allegro)" الحاكم العسكري لدائرة تبسة من جهة أخرى.
وبحسب رواية "كاستيل" فإن السبب في قيام هذه الثورة، هو رفض فرقة أولاد سيدي عبيد القاطنين في بكاريا، الدخول في طاعة القائد الجديد الذي عينتهم لهم سلطة الاحتلال من خارج أبناء القبيلة.
لأن أولاد سيدي عبيد الذين بقوا في الدائرة، يعتبرون أنفسهم أرفع نسبا بكثير من أهل بكاريا، وقبلوا على مضض القايد الذي فرض عليهم؛ بالإضافة إلى رفضهم التنظيم الإداري الجديد الذي وضعته سلطات الاحتلال لمنطقة بكاريا بقصد بسط يدها على تلك الجهات من إقليم تبسة ومنع تنقل سكانها بين الجزائر وتونس، وإجبارهم على الاستقرار فوق أراضٍ حددتها لهم سلفا.
وهو ما دفعهم إلى إبلاغها بأنهم: "سينتقلون إلى الأراضي التونسية في حال ما أجبروا على الخضوع لحكمنا مثل باقي القبائل".
لكن أبناء هذه القبيلة ظلوا على قناعتهم بأنه لا يجوز لهم كمسلمين وكأشراف الدخول في طاعة الكافر.
قرر في أكتوبر 1853، شريف من فرقة أولاد سيدي عبيد المقيمة في تونس عمار بن قديدة، مهاجمة قوات العدو الفرنسي في تبسة، واسترداد أراضي أجداده تتقدم على رأس قوات ضمت إلى جانب أبناء عشيرته، عناصر من قبيلة الفراشيش جندهم في تونس، وعبر بهم الحدود الشرقية في اتجاه بكاريا.
استنفر ابن قديدة بني قومه المقيمين في بكاريا، وطلب منهم مهاجمة مدينة تبسة التي تتمركز بها قيادة جيش الاحتلال بالمنطقة.
نرجح أن يكون سبب مشاركة الفرق التونسية في الانتفاضة. هو انتقام فرق الزغالمة من الهجوم الفرنسي الذي شن عليها وعلى بعض الفرق التونسية في 8 أفريل 1853 عندما التجأت في مطلع تلك السنة إلى التراب الجزائري، واستقرت بالقرب من تبسة، لكي لا تدفع الضرائب لباي تونس. ويروي "فيرو" وقائع معركة بكاريا، بأسلوب الازدراء للثوار، والتدليس للحقائق قائلا: ".... في حدود الساعة العاشرة صباحا من يوم السادس نوفمبر، قدم أحد الفرسان الجدد، وأكد أن الشريف خيم على بعد ثلاثة كلم من بكاريا، بمعية 100 خيال، وحوالي 300 جندي مشاة. جالت رسله قبل ذلك بين قبائلنا، لتجنيد الأنصار. فرأى "جابي (japy)"، الملازم الأول من كتيبة الزواف الثالثة، والقائد بالنيابة في تبسة، بحكمة أن الوقت كان مناسبا لصد هجمات الشريف ، وبالإمكانيات القليلة التي تتوفر عليها الحامية.لأنه لو تم الانتظار إلى اليوم التالي لاجتمع المتطرفون كل الجهات، ولصار من الصعب الخروج من تبسة.
بهذا القرار الصارم، أجبر الملازم الأول جابي... مفرزة الصباحية، و فرسان القايد محمد شاوش، كانوا في المجموع 56 فارسا،على الإسراع في امتطاء صهوة جيادهم، ثم سار بهم باتجاه الشريف. ظل 100 جندي من الزواف، و60 مناوشا في تبسة، لتأمين حماية حماية الموقع. وتخندق نصف المناوشين في منتصف طريق بكاريا، لدعم تراجع فرساننا عند الضرورة. ولما اقتربوا قليلا من معسكر العدو، وجدوا أن الشريف قد نضم رجاله عند سفح التلال في هيئة مناوشين راجلين، بينما أقام هو مع فرسانه في مخفر أمام خيمته، ووضع جوقة الموسيقى العسكرية في الطليعة، مترقبا بذلك الهجوم بخطى ثابتة. وعندما وصل قايد تبسة محمد شاوش على مسافة معينة، اتجه صوب الشريف، ودعاه إلى الاستسلام؛ فرد عليه بالشتائم. فكان ذلك إيذانا ببدء القتال: دق بوق الهجوم، فانقض الصبايحية بقيادة الملازم الأول "جابي"، والملازم "كوهنديCohendet " مباشرة على الشريف.
كان أول من وصل إليه، رقيب الفرسان "بروا" وبضربة سيف واحدة قسم وجهه نصفين. عندها اختلط الحابل بالنابل، وفر الثوار قي جميع الاتجاهات، بعد أن فقدوا زعيمهم، ونجوا بفضل صعوبة التضاريس. كانت حصيلة المعركة فقدان العدو اثني عشر قتيلا، ظلت جثثهم جاثمة في مكانها، بينما لم يصب منا إلا جريح واحد. غنمنا خيمة الشريف ، وثلاث رايات دينية من الحجم الكبير، و300 لافتة كانت ستوزع في الغد على العرب الثائرين، هذا بالإضافة إلى عدة بنادق، وخوذات نحاسية عتيقة جيء بها من بعض متاحف الزوايا. في حوالي الساعة الخامسة مساء، عاد الملازم الأول "جابي" مع جنده إلى تبسة مع جثث المهزومين، تغمرهم الصيحات المتحمسة لرجال الحامية، الذين لم يتمكنوا من المشاركة في تلك الضربة المفاجئة، والجريئة.
ومع أن جيش العدو كانت له الغلبة في هذه المعركة، إلا أن أولاد سيدي عبيد، لم يذعنوا له. حيث اختارت فرقتهم المقيمة في بكاريا هجرة البلاد والالتجاء إلى تونس، كوسيلة من وسائل المقاومة، وظلت تتحين الفرص لتنتقم منه. ويتجلى الطابع الديني الذي كان يحكم تصرفات هذه القبيلة، في إصرارها على رفض الخضوع "للرومي". فالاستلام يحرم موالاة الكفار أو مواليهم من المسلمين والخضوع لحكمهم.
ويمكننا تأكيد ذلك من خلال رواية هذا الجنرال الفرنسي عن وقائع معركة بكاريا، رغم ما فيها من مغالاة وتدليس للحقائق معهود لدينا من ضباط جيش الاحتلال، دور الطرق الصوفية في قيادة المعركة، وخاصة منها الطريقة الرحمانية. فقد كان الطابع الديني هو المحرك الأساس في مقاومة أولاد سيدي عبيد، وكانت الزاوية هي معقد لواء جهادهم.
كما تكشف لنا تلك الرواية عن شخصية جهادية وطنية لم تنل حضها من الدراسة والبحث، هي شخصية الشريف عمار بن قديدة العبيدي، الذي في نظرنا يمثل قائدا عسكريا بأتم معنى الكلمة.
أعد للمعركة ما استطاع من قوة، ومن رباط الخيل، وصبغها بالصبغة الجهادية. ثم خاض المعركة بكل بسالة ونال الشهادة.
مع ظروف الشيخ بوعمامة. فكليهما نشأ في المهجر: الأول في تونس، والثاني في المغرب، ثم عاد إلى أرض الوطن على رأس قوات لمقارعة العدو.
هذا بالإضافة إلى أن الرواية تشهد على نزعة الكراهية والغل، التي كانت تطبع تعامل عساكر الاحتلال مع قتلانا، وجرحانا، وأسرانا، وتكشف عن طبيعة السياسة التي كان يتبناها المحتل الفرنسي في حق المجاهدين الجزائريين، والتي كانت قوامها: نهب ممتلكاتهم، ومصادرة أراضيهم، وضرب بنيتهم الاقتصادية، والاجتماعية. وهي المعاملات ذاتها التي ستتكرر وبشكل فضيع خلال فترة الثورة التحريرية.
وبالتالي، نجد أنفسنا في غياب الرواية الجزائرية عن تلك المعركة، في شك مريب من الرواية الفرنسية، ولا نضن أن تكون الوقائع التي حدثت في هذه المعركة، إلا أن أولاد سيدي عبيد،لم يذعنوا له. حيث اختارت فرقتهم المقيمة في بكاريا هجرته و الالتجاء إلى تونس، كوسيلة من وسائل المقاومة، وظلت تتحين الفرص لتنتقم منه.
ونرجح أن يكون الصفح الذي تقدمت به بعض أسر القبيلة المقيمة حول زاوية سيدي عبيد إلى سلطة الاحتلال في شهر مارس 1857، تكتيكا تمويهيا الهدف منه ضمان بقائها في الزاوية لمراقبة العدو عن كثب، وتقديم يد العون للمتمردين من الفرق الأخرى. فقد تفطنت الإدارة الاستعمارية لما كانت تسميه الموالاة الكاذبة، حيث رفضت طلبهم واشترطت عليهم أن يقدم فرق القبيلة؛ وانتظرت ردهم بكل شغف. غير أن انتظارها طال، ورجائها خاب.
فبدلا من أن يطلب منها أولاد سيدي عبيد الأمان، ويدخلون في طاعتها، كثفوا من هجماتهم على عساكرها. وهو ما أدى بالقيادة العسكرية إلى تكليف الرائد "بنوفالي Bonvalet" بوضع حد لتمردهم، وشن هجوم مباغت عليهم في عقر دارهم بالزاوية، ومعاقبتهم أشد العقوبة.
ففي شهر جوان، "أخذوا على حين غرة في واد الصفصاف. وقتل منهم 50 نفرا، وسلب منهم 300 بعيرا".
شهدت سنة 1853، انخفاضا كبيرا في المحصول الزراعي بمنطقة تبسة، وارتفاعا فاحشا في أسعار الحبوب. مما انعكس سلبا على معيشة السكان، وعلى مواردهم المالية. وكانت من نتائجه أيضا عجز الفرق الخاضعة مثل فرقتي العلاونة، وأولاد رشاش عن دفع ما عليها من ضرائب للمستعمر. إذ لم تدفع سوى خمس ما عليها من ضرائب.
وبما أن سلطات الاحتلال لم تكن تتساهل في مسألة الضرائب مهما كانت الظروف، أو الأسباب –خاصة وأن تلك الأموال كانت تصرف على نفقات الجيش، لتمكينه من التوسع والسيطرة على البلاد- فقد أوعزت إلى القيادة العسكرية في تبسة بإرسال حملة تأديبية ضد تلك الفرق، وإرغامها على الدفع.
أسندت المهمة إلى الرائد "بنوفالي Bonvalet"، الذي خلف النقيب "ألجرو" على رأس دائرة تبسة. قاد هجوما ضدهم، وتوغل في أراضيهم، في استعراض للقوة، بمساعدة السرية الأولى لفرقة قناصة إفريقيا الثالثة، التي قدمت من عين البيضاء، بقيادة الرائد "دي برني De Bernis"
زحف هذا الرائد في يوم 23 جويلية 1854 على تازبنت، على رأس رتل عسكري مؤلف من: سرية من فرقة قناصة إفريقيا الثالثة، بقيادة النقيب "بروشار"، و50 جنديا صبايحيا، بقيادة الملازم "كوهندي"، و75 قناصا تحت إمرة رئيس مكتب العرب، الملازم الأول "إيليريا".
ومما جاء في مجلة "روفي دو لريون" عن و
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://atefnouiri.7olm.org
 
تاريخ تبسة وجهاد امجادها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب عن تاريخ مدينة تبسة.....
» تاريخ الرياضيات للمطالعة
» مصطلحات تاريخ وجغرافيا 03 ت ق
» الشخصيات التاريخية للوحدة التعليمية الثانية / تاريخ الجزائر
» مذكرة تاريخ سنة أولى - العالم الإسلامي مجاله الجغرافي والسياسي -

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ثانوية بئر مقدم - تبسة - 02/ :: منتدى صحة ادم وحواء-
انتقل الى: